مدينة شيكاغو

مدينة شيكاغو.. مهد ناطحات السحاب، مدينة دائماً ما كان لها تقدم في مجال الهندسة المعمارية، تُبرز لنا اليوم ومرة أخرى روحها الإبداعية.

الانتقائية، الكلمة الأنسب لوصف الهندسة المعمارية لشيكاغو، لأن المدينة ذاتها تجمع عدة طرز: الكلاسيكي الجديد، الطراز الدولي، القوطي الجديد وطراز الفنون الجميلة، طرز أستخدمت في الهندسة المعمارية لناطحاتها، بل هي طرز تشكل هوية المدينة.

الخصائص المعمارية لمدينة شيكاغو:

-دائما نحو علو أكبر

إذا كانت ناطحات السحاب تتكاثر فذلك لأنها الحل الأمثل لمشكلة الأرض، لقد أصبحت القطع الأرضية غالية جدا وأثمانها تزداد بشكل كبير، «شيكاغو كانت مختبرا للابتكار بعد حريق عام 1871م الذي أحرق جزء كبيرا من وسط المدينة»، يشرح دان أو كونيل، مدير الشؤون العامة لمركز الهندسة المعمارية، أنشئت منذ عام 1966م، هذه المؤسسة تنظم 85 جولة إرشادية مختلفة، العام الماضي انتقلت إلى مكان آخر قرب النهر أين تقع عمارة فان دير روه.

في الطابق الأرضي يوجد صالة للعرض تحكي تاريخ المدينة من خلال أبنيتها بالاستعانة بتصميم تفاعلي ثلاثي الأبعاد يعتبر من بين أكبر التصاميم المجسمة في العالم، يقوم المركز أيضا بجمع المعلومات حول المدينة لدرجة إحصاء عدد الحفر في الطرق، إنه عمل جبار يسمح بمشاهدة المدينة من زاوية أخرى، في الطابق الأول تقع قاعة ناطحات السحاب، يوجد معرض يوضح ماذا يعني تشييد عمارة بذلك الاتساع، إنه سباق سرعة، منافسة بين المعماريين نحو علو أكبر، صراع مع العناصر، كيفية مواجهة الرياح، طوبوغرافيا المكان، الحرائق. بفضل الابتكارات الجديدة تمكن المهندسون المعماريون من التطور.

أفق شيكاغو يقص السماء بناطحاته

في عام 1970م “برج ويليس” أحد أعلى البنايات في العالم لـ 25 سنة يبلغ من الطول 440 مترا، غدا برج جدة في المملكة العربية السعودية سيبلغ ارتفاعه 1000 متر، مشروع من تصميم مكتب “أدريان سميث آند غوران جيل للعمارة” من شيكاغو، «الأمر الملاحظ، أن عددا كبيرا من البنايات الشاهقة المشيدة في آسيا وفي الشرق الأوسط، هي من فكرة وتصميم معماريين من شيكاغو» يلاحظ دان أو كونيل.

-مدينة مفتوحة

لم تكن المدينة لتصل إلى ما هي عليه الآن لولا معرض عام 1893م، معرض كولومبيا الدولي احتفل بالمائة الرابعة لوصول كريستوف كولومبس إلى الأرض الأمريكية، لقد كانت مناسبة مهمة جدا للمدينة التي جذبت 26 مليون زائر، كما كانت فرصة لمقاولي حركة “المدينة الجميلة” لتشييد الكثير من المباني التراثية: متحف العلوم والصناعة، المترو الجوي الشهير، ميترو “إل” في حي لوب، ووسط المدينة.

في هذه الحَلَقة يشدنا اسم دانيال برنهام، «هو من رسم عام 1909م مخطط شيكاغو، إنه يمثل الحمض النووي للمدينة، لقد أعاد رسم الساحل، البحيرة، الحدائق، أشار إلى الطرق السريعة المجاورة للمدينة، ونظّم ووسّع الطرق العادية»، رغم أنه لم يتم بناء كل شيء إلا أن الصورة ستحسن التجارة وتسمح للمدينة «أن تبقى مفتوحة للأبد، نقية، وحرة» حسب كلمات مصممها.

بعيدا عن هذه المنشآت الحازمة، يظهر “فرانك لايد رايت” كأنه على الهامش، قريب من حركة “بيوت البراري” طرازه يظهر من خلال استعماله للمساقط الأفقية، الأسطح المستوية، أسقف المداخل الرئيسة العريضة البارزة، وزخرفة متقنة، لقد استوحى الأفقية من الهضاب الكبيرة بمنطقة “مايد ويست”.

منزل روبي بمساقطه الأفقية المصممة من طرف فرانك لويد رايت نحو عام 1990م

يبقى فرانك لويد رايت أيقونة ورمزا في شيكاغو، حيث بنى بيته المفتوح للجمهور، لقد شيد أيضا “معبد يونيتي” كنيسة توحيدية باستعمال الإسمنت رمز الحداثة، بنى منزل روبي (روبي هاوس) تحفة معمارية معروفة في العالم كله، و”ذو روكري” (عش الغراب)، منشآت تبرز الوجوه العديدة للرجل الذي يرفض الاملاءات والشكلية.

-روح رجولية

معلم أخر رمزي ومهم من هذه الحقبة، إنه مبنى “الجمعية الرياضية لشيكاغو” نادي رياضي رجولي خاص سابق لألعاب القوى، اليوم تم تحويله إلى فندق، تم تجديده عام 2012 من طرف المعماري “رومان ويليامس”، المكان استطاع أن يبقي على منظره الرجولي وطرازه القوطي الذي كان تصميمه في بادئ الأمر من طرف “هنري إيف كوب” الذي استوحاه من “قصر دوجي” بالبندقية.

الصالون الحصري لفندق الجمعية الرياضية لشيكاغو المنظم داخل نادي ألعاب القوى

سلالم عريضة من الرخام تؤدي بالزائر إلى الطابق الأول أين يستقبله صالون خشبي بحرارة ومدفأته المزينة بالنقوش الغائرة، المكان يجمع العديد من القاعات، من بينها قاعدة اللعب سابقا، إنها رائعة مكان يحب أن يجتمع فيه كل ناس شيكاغو عند نهاية اليوم….

-منحوتة- مرآة

الزيارة تنتهي عند “سايندايز”، سطح من نوع فريد مع إطلالته الرائعة على بحيرة ميشيغان والحديقة الألفية، تعتبر هذه الأخيرة من أكثر الأماكن زيارة في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك أين الصالة المصممة من فرانك لايد رايت و”بوابة السحاب” البديعة التي صممها النحات أنيش كابور، والتي تنعكس أرجاء المدينة من مساحتها المشكلة لمرآة، هناك أيضا يتواجد معهد الفنون الذي يأوي 300000 تحفة فنية، لوحة “الغرفة” لفينسنت فان غوغ، و”القوطية الأمريكية” لغرانت وود، “صقور الليل” لإدوارد هوبر، لوحة “بعد ظهر الأحد على جزيرة جراند جات” لجورج سورا.

في الطابق الأخير يتواجد مطعم “تيرزو بيانو” الذي يستوحي أكلاته من المعارض الحديثة، قائمة من أحدث المأكولات الفنية مع ناطحات سحاب المدينة.

حارسات شيكاغو، ناطحات السحاب تذكرنا أيضا أن الهندسة المعمارية في حركة دائمة، وعليها أن تتقدم دون توقف، عليها أن تتصور تطلعات المستقبل «المستقبل يسير الآن، هذا ما يحاول معرضنا الحديث “فروم مي تو وي” أن يقول للجميع، يجيب دان أو كونيل. نحن الآن في عالم حضاري، كي نعيش وننجح يجب علينا أن نهتم بعلم البيئة، بالتكنولوجيا، الطاقة، الحركية، والمادة، هذه المسائل ملحة خاصة عندما نعلم أن شيكاغو قريبا ستصبح مدينة كبير بـ 10 ملايين نسمة، مع نيويورك، لوس أنجلس ومكسيكو سيتي» كما يقول فرانك لويد رايت: «كل المهندسين المعماريين الكبار هم بالضرورة شعراء كبار، يجب أن يكونوا مترجمين جيدين لوقتهم، لحياتهم اليومية»، الهندسة المعمارية تمثل صورة تقدمنا. شيكاغو بنظرتها المستقبلية قد انطلق سفرها نحو الابتكار.

المصدر: A Chicago, la folie des grandeurs

شـاهد أيضاً..

حسن فتحي… معماري من نوع آخر

شاهد الإبداع الهندسي المعماري لمدينة دبي

عندما تُستوحى الهندسة المعمارية من جمال الطبيعة